2019/02/07 |
syr2015 |
(افتتاحية العدد “89” لنشرة “الآن” الصادرة عن حزب العمل الشيوعي في سوريا)
…………….
دخلت الأوضاع السورية مرحلة جديدة. فبعد انتهاء دور المجموعات المسلحة المعارضة… والمتفرقة والمتناحرة، وتجمّعها في بقعتين أو ثلاث من الأراضي السورية، أصبح الصراع قائماً بين الأوزان الثقيلة! لم نعد في حقبة الحروب بالوكالة، دخلنا في مرحلة صراع المصالح والارادات مباشرة. أصبحت القوى الإقليمية والدولية أمام الاستحقاقات وجهاً لوجه. لا يمنع ذلك لا وجود جيوب لهذا الطرف أو ذاك. ولا قرارات تكتيكية مفاجئة من هنا وهناك. وإذا كانت القوى الفاعلة تعرف أن الصدام العسكري ممنوع لأنه هلاك للعديد من الأطراف وضياع مصالحها، فإنها ليست متفقة على صيغة للخروج من الأوضاع الراهنة بما يؤمّن مصالح كل الأطراف! ذلك لأن سلم تلك المصالح متضارب حتى اللحظة الى حد يجعل الحل السياسي مؤجلاً أقله في المدى المنظور؛ مع ما يحمله ذلك من احتمالات فرض تقسيم أمر واقع (دون إعلان) وما يحمله ثانياً من استمرار المأساة السورية واستمرار إنهاكها للشعب السوري فقراً وإذلالاً وتجويعاً فوق ما ذاقه شعبنا في السنوات الثمانية الماضية من قتل وتشريد وتدمير واعتقال وتهجير وتحطيم لبنية الدولة وتفتيت للحّمة الوطنية.
حسابات قاصرة!
دخلت المعارضتان الخارجية والمسلحة أدوات الخارج المرتبطتان والممولتان من قبله. وهما تعرفان قدرتهما المحدودة. دخلتا الصراع على أمل أن تستل الولايات المتحدة سيفها وتطيح بالنظام بضربة واحدة مثلما فعل التحالف الدولي في ليبيا.
ودخل نظام القمع والقهر والنهب المنظم الصراع وهو يعتقد أنها جولة يَسيرة على قواته، وكلها مسألة أيام وأسابيع ويبطش بكل المعارضين والمسلحين مثلما فعل في حماة عام 1982!
لم تقرأ المعارضتان الخارجية والمسلحة مصادر قوة النظام، الذي تقف الى جانبه فئات مهمة من الشعب السوري، ولم تقرأ قوّته العسكرية والأمنية، وثالثاً لم تقرأ قوة تحالفاته الإقليمية والدولية؛ ثلاثة أخطاء قاتلة لو دخلت حساباتها (والسياسة حسابات) لتغير شيء كثير في مصير بلدنا.
ومن جهته لم يقرأ عسكريو النظام وسدنته أن عصر الحرب الباردة انتهى، وأننا دخلنا عهد الأحادية القطبية منذ ربع قرن، وأن عصر البطش بتغطية دولية مضى زمنه. ولم يرى النظام أنه أصبح عَثرة أما النفوذ الأمريكي، ولم يحسن قراءة إخراجه خلال أيام من لبنان بعدما رضى الغرب عن احتلاله طوال 29 عاماً! فتصرف بغباء وصلف! ولو فتح باب الحوار الحقيقي مع المجتمع وقواه السياسية منذ آذار 2011 مثلما فعلت المغرب والأردن مثلاً لتغير الشيء الكثير من المصير الكارثي لبلدنا.
من الثورة الى الحرب الى التقسيم
بعد الأشهر الأولى للثورة السورية بكل حماسها وشجاعتها وبسالة أبنائها وهم يطالبون بالحرية والعدالة والكرامة للشعب السوري، دخلت قوى الإقليم والعالم (أمريكا، الخليج، تركيا) على خط الثورة، وتسللت الى قواها ومفاصلها مدعومة بضخ مالي لا نظير له (137 مليار دولار حسب وزير الخارجية القطري) وما هي إلا أشهر إلا وكان القمع الهمجي للنظام والتسليح والتمويل الخارجي قد غيّب صوت الثورة، صوت الشعب السوري الحقيقي، وهكذا تمت سرقة الثورة السورية من صانعيها وأخذها الى أهداف نقيضة لها وإدخالها بالتدريج في اتون طائفية بغيض، كان كل أبناء بلدنا بعيدين عنه كل البعد. ومنذ عام 2012 حتى نهاية 2015 كانت المجموعات المسلحة تتقدم ببطىء وثبات في مختلف الجبهات، الأمر الذي استشعرت فيه الولايات المتحدة وخدمها من دول الخليج أن نصرها بالوكالة قادم لا محالة! وعليه أصبحت المصالح الروسية في سوريا مهددة بعد أن كانت إيران قد استشعرت الأمر نفسه في وقت سابق، ودخلت بقواتها مدعومة بالمليشيات الشيعية على خط المعارك دون أن تستطيع قلب موازين القوة لصالح النظام. دخل الطيران الروسي صلب الصراع المسلح في 30/9/2015 بعد أن تيقّن أن النظام ومناصريه يسيرون ببطء… وثبات أيضاً الى الهزيمة.. ومنذ ذلك التاريخ أصبح هجوم النظام وحلفائه هو المتقدم، وراح النظام ومناصريه الإيرانيون وميلشياتهم الشيعية يتقدم على الأرض بتغطية كثيفة من الطيران الروسي، ومع حلول عام 2018 كان النظام قد استرجع مساحات كبيرة من المناطق في ريف دير الزور وحلب وتدمر والغوطة ودرعا.. إلخ مما جعل 60% من الأراضي السورية تحت هيمنته! هنا جاء دور الولايات المتحدة لتستشعر الخطر بدورها على مصالحها، بعد أن فقدت النصر الذي كان قاب قوسين من أدواتها الإقليميين والسوريين، ومع معرفتها بالإصرار الروسي، ومع الانهاك الذي أصاب مجموعاتها المسلحة رأت أن إعادة عقارب الساعة الى الوراء أصبح وهماً، والنصر الذي كانت ترتقبه، بما يحمله من قضاء على نفوذ ايران في سورية وما يرسخه من تأمين للنفوذ والحدود لحليفتها “إسرائيل” ذاك أصبح مستحيلاً؛ عمدت عقب ذلك وبعد حشر كل المجموعات المسلحة في إدلب الى وضع اليد على شمال شرق سوريا التي تشكل 29% من الأراضي السورية، وجاء قرار ترامب المفاجئ بالانسحاب من سوريا كأنه معاكس لسياسات الولايات المتحدة، ويسير عكس منطق الصراع وتأمين المصالح، مما أجّج التخمينات عن الاتفاقات غير المعلنة في لقاء هلسنكي بين ترامب وبوتين في 16/7/2018 وبالتالي يفتح باب التساؤل عن الثمن الذي سيقبضه الامريكان لقاء هذا القرار، علماً أن تنفيذ القرار غير محدد بزمن، وربما يأخذ أشهراً وسنوات، كما يدخل في حساباتها الحرص على حلفائها الأكراد من الاستهداف التركي لهم، وهذا ما دفع الأتراك للمناورة وطرح مسألة المنطقة الآمنة في شمال سورية بما يحمله ذلك من احتمال الاقتطاع والضم للأراضي السورية هناك!
استقرار المحتلين
من جهة ثانية بعد أن بسطت روسيا سيطرتها على مساحات واسعة من الأراضي السورية. وصلت الى حدود قوتها الفعلية، فلم تعد في مواجهة مجموعات مسلحة معزولة كل منها في مناطقها، وبالتالي يسهّل نسبياً الانتصار عليها، بل اقتربت من الاصطدام بالولايات المتحدة وتركيا! وهو أمر تتفاداه وستتفاداه في المستقبل لأنه يعرضها ويعرّض مكاسبها في السنوات الثلاثة الأخيرة للخطر إن لم يك للضياع؛ وعليه فإنها بدورها ستكتفي على الأقل على المدى المنظور بما حصلت عليه – وهو كثير – أي قواعد عسكرية وقاعدة بحرية لسفنها ووجود سياسي وعسكري مهيمن، ومصالح جيوسياسية في سورية بل في شرق المتوسط برمته. وستعمل على حساب خطواتها بهدوء مع حلفائها وخصومها محاوِلة أن تقرض المكاسب مع الزمن من هنا وهناك. علماً أن مصالحها الاقتصادية الهائلة مع كل من تركيا وإيران تفرض عليها حساب ألف حساب لكل خطوة من خطواتها تجاههما!
من جهة ثالثة بعد انتقال الآلاف من آخر المجموعات المسلحة الجهادية الى محافظة ادلب في 21/7/2018 أصبح لتركيا الكلمة الأولى في مصائر تلك المجموعات، ليس فقط بحكم جوارها الجغرافي بل أيضاً بحكم امساكها بأعناق عديد المجموعات المسلحة المحسوبة عليها، إضافة لجماعة الاخوان المسلمين التي تحولت الى أداة طيّعة لديها منذ سنوات، وهي التي اعتادت تاريخياً أن تنقل ولائها وخدماتها من ولاة أمرها السعوديين الى أجهزة صدام الى قطر وتركيا مؤخراً!
في المحصلة أصبحنا أمام وضع شبه ثابت أقله في الأشهر الأخيرة: روسيا في معظم الأراضي السورية، أمريكا في شرق الفرات، تركيا في ادلب. لا يوجد أي مؤشر لتغيير قريب في هذه الخريطة، فالقوى الثلاثة لا تريد الاصطدام ببعضها، وهي تقر بالأمر الواقع الحالي، واعتراف غير معلن من قبل كل الأطراف بهيمنة القوتين الأخيرتين في مناطقها.
أي بعبارة أكثر وضوحاً أصبحنا منذ أشهر أمام اقتسام لمناطق النفوذ وكل تغيير في هذه المعادلة سيتطلب زمناً طويلاً يكون على حساب وحدة الشعب السوري ووحدة أراضيه، وليس دون دلالة أن مناطق شرق الفرات وادلب تقوم فيه القوى هناك (الكردية والتركية) بتكريس رموز الانفصال من علم ولغة وإدارة وتعليم وجمارك وحدود، ضاربة عرض الحائط كل رموز الدولة السورية الموحدة كأنها تؤسس لكيان منفصل ينتظر الوقت المناسب لكي يُعلن!
إسرائيل تربح تربح
في هذه الخريطة المأساوية يبدو أن الدولة الأكثر ربحا في هذه الكارثة هي إسرائيل، فبعد أن كانت سوريا ومنذ سبعين عاماً تشكل قوة عسكرية يحسب حسابها، سيصبح أمامها دولة منهكة، وشبه مقسمة، وهو ما لا يشكل أي تهديد للدولة الصهيونية ولا لنفوذها، في المحيط العربي، ولا نهشها للحقوق الفلسطينية! ولا يخفى على أحد أن إسرائيل تتصرف منذ الآن وكأن سماء سوريا مفتوحة أمامها، تضرب متى تشاء، ومن تشاء، دون تردد، وليس بعيداً عن المنطق الظن بأن ذلك يتم بغض نظرٍ من الجانب الروسي! إن لم نقل برضاه!
استحقاق مؤجل
وفي كل ما سبق يبدو الشعب السوري هو الطرف الوحيد الخاسر، فهو يخسر دولته، ويخسر حقوقه ويخسر الجولان نهائياً، ويخسر مقوماته كشعب واحد في دولة، وليس خافياً على أحد أن صوت الشعب السوري في كل هذه المأساة مغيّب، وهو الغياب الذي تم فرضه على أبناء بلدنا خلال نصف قرن بالحديد والنار، وسياسات القمع وتكميم الأفواه والأفكار، وإخراس أي صوت مخالف لصوت النظام.
سياسات النظام هذه أدت بعد دورات الانتشاء بالهيمنة والنهب والتمييز على مدى عقود أدت الى سَوق بلدنا الى كارثة العنف والتدمير والاعتقال والاختفاء والتهجير للملايين!
ومهما كان الواقع الراهن مأساوياً على بلدنا اقتصادياً وعسكرياً ومصيرياً ولا يلوح في الأفق بوادر أمل تنقله من الكارثة الى طريق المستقبل، وبعد أن تكرّست حصيلة مؤتمرات جنيف أصفاراً، فإنه يعرف أن استمرار الحرب واستمرار الاحتلالات لأرضه ومشاريع التقسيم تصب ضد مصلحته ووجوده، كما أنه يعرف أن حقوقه تضل هي هي في دولة ديمقراطية، دولة مواطنة، دولة عدالة ومساواة، تستعاد فيها للشعب السوري إمكانات العيش والعمل والكرامة والحرية.. وفي دولة موحّدة تصبح فيها أطماع دول الإقليم والعالم ومشاريع التقسيم الحالية جزء من ذكريات الماضي، مثلما أصبحت مشاريع التقسيم الفاشلة التي عمل على فرضها الاستعمار الفرنسي في الثلاثينات من القرن الماضي. وكل هذا يتطلب أن يرفع الشعب السوري رأسه من آتون الحرب والاحتلالات والقمع والفقر ويقول كلمته نافضاً عن كاهله الاستبداد والنهب وتبعات الحرب من جهة، ومستعيداً سيادة واستقلال بلدنا عن مشاريع دول الاقليم والعالم من جهة أخرى.
التصنيفات : مقالات أعضاء وقيادات الهيئة
الكاتب:syr2015
صوت المعارضة السورية الصادق
اترك تعليقا بدون أية روابط