
معتز حيسو**
مطلع عام 2015، صرّح المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي مستورا، بأن تطبيق «النموذج اللبناني ينسجم مع التنوع الموجود في سوريا، ويساعد على الخروج من الأزمة». حينها، ناقشنا على صفحات جريدتي «السفير» و«الأخبار»، مخاطر التصريح المذكور، وأبدينا تخوفنا من مخططات يجري إعدادها في كواليس السياسة الدولية.
وأكّدنا، أيضاً، أن ما جاء به السيد دي مستورا يكشف عن توجهات دولية، تقود ــ في حال تطبيقها ــ إلى تفتيت بنية الدولة المركزية، وتحويلها في سياق الصراع الراهن إلى دويلات طائفية، دينية،عرقية، وإثنية مأزومة. وذلك يعني إغلاق آفاق أيّ تحوّلٍ سياسي وطني ديموقراطي يؤسّس لبناء دولة علمانية موحّدة. إضافة إلى ذلك، إن الآليات التي تشتغل عليها التنظيمات، والتشكيلات الجهادية التكفيرية لفرض نموذج ديني أحادي، سوف تشكل تهديداً مباشراً للأقليات.
وبعد نحو عام على ذلك، صرّح نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، بأنه إذا توصّل السوريون، خلال المفاوضات، إلى «أن النموذج (الاتحادي) سيخدم مهمة الحفاظ على سوريا، موحدة، وعلمانية، ومستقلة، وذات سيادة، فمن سيعترض على ذلك حينها؟».
يتزامن التصريح المذكور مع ترويج واشنطن لما بات يعرف بـ«الخطة باء»، وتبنّي الرياض ودول أخرى لها. وإذا كان تصريح المبعوث الدولي قد أيقظ فينا مخاوف معينة، فإن تصريح ريابكوف والخطّة الأميركية، يضعاننا بمواجهة مباشرة مع ما يجري إعداده لمستقبل سوريا.
في السياق ذاته، إن نجاح أطراف دولية، في “فدرلة” سوريا، أو تقسيمها، أو فرض النموذج اللبناني، سيُسهم في انفتاح سوريا على مزيد من التدخلات الدولية، ويجعلها رهينة تناقضات ومصالح دول كبرى متعددة. كذلك فإنه يُسهم في تجدّد الصراع على أسس ومقدمات تستند إلى خطوط استنزاف جديدة، تتجاوز في أبعادها التدميرية، تقسيمات “سايكس ــ بيكو”. ويعود السبب في ذلك إلى تداخل أطراف الصراع، والتناقضات المحمولة على عوامل دينية، وعرقية، وإثنية.
وبالرغم من أن الترويج لتلك المشاريع، يجري باسم الشعب السوري، لكنها في حقيقة الأمر تتناقض مع ميول السوريين، وطبيعتهم، وأهدافهم. كذلك، إن توضيب تلك المشاريع يجري بمعزل عن السوريين أنفسهم. وفي ظل تجاهل الإجماع السوري، يحتاج التعبير عن إرادتهم، بشكل حر ومستقل، إلى مناخات سياسية مستقرة. فالمجتمع السوري يتمتع بالتعدد والتنوع الثقافي. وبمقدار ما يحمل ذلك من ميزات إيجابية في ظل أوضاع سياسية واجتماعية مستقرة، فإنه يتحوّل إلى أكثر المصادر خطورة، إذا وظّف سياسياً. ويبدو أن ذلك بات أمراً محققاً بفعل اشتغال أطراف دولية وإقليمية على الاستثمار السياسي، في حقل التنوع الثقافي السوري.
ونذكّر بأن نموذج الحكم الطائفي، الذي أسسه الاستعمار الفرنسي في لبنان، لم يستطع الأشقاء اللبنانيون تجاوزه حتى اللحظة. والأهم أنه شكَّل مدخلاً إلى تمكين مبدأ المحاصصة، وهيمنة زعماء الطوائف والطغم المالية. وكان ذلك مرتبطاً في سياق تعميق الارتهان السياسي، والتبعية الاقتصادية الكولونيالية للرأسمال العالمي. ومعلومٌ أن النظام الطائفي يتجاوز حدود تمثيل الطوائف سياسياً، إلى إجهاض أي تحوّل سياسي وطني ديموقراطي، ويتجلى ذلك من خلال آليات اشتغال تضبط الفئات الاجتماعية، وقواها السياسية، ضمن أطر الطوائف. بينما العمل السياسي الوطني الديموقراطي يتجاوز، بحكم تركيبته وطبيعته المفتوحة على المجتمع، حدود الطوائف ويؤسس لتوحيد القوى المجتمعية، وتحويلها إلى قوّة سياسية قادرة على تجاوز الأطر الطائفية، وبالتالي النمط الطائفي. ونتيجة إدراك زعماء الطوائف، والتجار، والطغم المالية، أن الحفاظ على مصالحهم السياسية، والمادية، يرتبط مباشرةً باستمرار النموذج الطائفي، فإنهم يرسمون الحدود السياسية بين الطوائف وفق ضوابط وآليات ومعايير تلجم أي تعبير سياسي وطني.
** كاتب وباحث سوري
ملاحظة: المقال لايعبر بالضرورة عن رأي هيئة التنسيق الوطنية أو عن رأي الموقع، إنما يعبر عن رأي كاتبه.
اترك تعليقا بدون أية روابط