لم يكن غرق مخيم الزعتري في الأردن بفعل الأمطار الغزيرة سوى محصلة طبيعية لعوامل الاستغلال والفساد التي مارستها الحكومة الأردنية بحق اللاجئين السوريين ، إذ أن السلطات الأردنية عرقلت الكثير من الجهود الرامية لتقديم يد العون لمن يقبعون في مخيم الزعتري ، وبالذات من تقدموا بعروض لإسكانهم في كرافانات صالحة للحياة الإنسانية ، ووضعت شروطا على المانحين يصعب تنفيذها ، كما أنها حاولت الاستفادة من كل مساعدة مالية أو إغاثية ، فكانت تقتطع حصة محترمة لها بحجة عدم قدرتها على تمويل إغاثة اللاجئين .
يرى مراقبون أن الأردن الذي شرع أبوابه أمام السوريين الهاربين من العنف في بلدهم ، ما لبث أن استخدم هذه الورقة للتغلب على مشاكله الاقتصادية الداخلية ، معلنا حاجته إلى مساعدات مالية ضخمة ، لخدمة هؤلاء اللاجئين ،غير أن الكثير من الأموال التي تدفقت سواء من المانحين الدوليين والعرب أو من رجال الأعمال والمتبرعين السوريين ، لم تجد طريقها الصحيح ، وجعلت جميع اللاجئين وبدون استثناء ، يتساءلون همسا ، أين ذهبت هذه الأموال …؟
في الأردن لا تستطيع أن تصرح بما تشاهد أو تسمع ، و كل من عايش تجربة اللجوء هناك ، يعرف جيدا ، القنوات التي كانت الحكومة من خلالها تستغل هذه الأموال والمساعدات … فهي تفرض حصتها وتأخذ ما نسبته 40 بالمئة من كل ما يتم تقديمه للاجئين … ما جعل النهر المتدفق نحو هؤلاء اللاجئين يتحول إلى ساقية صغيرة ، كثيرا ما كانت تجف بفعل عدم الجدوى ، جراء النهب الذي تتعرض له هذه المساعدات .
ولعل سلسلة الفساد والاستغلال ، لا تنتهي بمخيم الزعتري ، وإن كان هو صورتها الأوضح .. بل إن سوء المعاملة وتقصد إذلال اللاجئ السوري أمام الجمعيات الخيرية الأردنية ومفوضية شؤون اللاجئين، عبر عدم توفير أدنى الشروط الانسانية في استقبال الأعداد الكبيرة التي ترتص بطوابير لا طاقة للرجال بتحمل ساعاتها الطويلة تحت رحمة الظروف الجوية بدون أى خدمات أو مرافق صحية، وبالتجاهل التام لأولوية النساء والأطفال في الدخول واجراء المعاملات.
كما سجل كثير من اللاجئين السوريين استلامهم لمواد غذائية فاسدة أومنتهية الصلاحية بتاريخ ممهور عليها، فضلا عن استثمار المستشفيات الأردنية للجريح السوري والمتاجرة بعلاجه، إذ شهدت قضية اللاجئين السوريين تراجعات كبيرة من قبل المنظمات المتبرعة بسبب التعامل الاستغلالي التام من قبل السلطات الأردنية التي كانت تطلب دوما حصة تقارب الأربعين بالمئة من قيمة التبرعات المقدمة ، إضافة إلى تضخيم فواتير العلاج بشكل غير مبرر أو عقلاني.
كل ذلك ما هو إلا صورا أخرى من صور استغلال النشامي لأشقائهم السوريين، صور يغص بها كل لاجئ سوري ، ولا يجرؤ على التصريح بها .. كون مصيره سيكون إما الاعتقال أو القذف داخل الأراضي السورية ، أو في أحسن الحالات الحجر عليه في مخيم الزعتري .
مخيم الزعتري يقف اليوم شاهدا على سوء معاملة دولة شقيقة لشعب شقيق ، وهو يستصرخ كل الضمائر للتدخل وإنقاذ كرامة من عانوا وتألموا وخسروا أقارب وأحباب من أجل الحرية والكرامة.
شيء مؤلم معاناة السوريين في مخيم الزعتري لكنهم لم يخسروا أقاربهم من أجل الحرية والكرامة فالذين خسروهم هم من باعوا نفسهم لأعداء سوريا فبقوا هم وعائلاتهم دون كرامة
شيء مؤلم معاناة السوريين في مخيم الزعتري لكنهم لم يخسروا أقاربهم من أجل الحرية والكرامة فالذين خسروهم هم من باعوا نفسهم لأعداء سوريا فبقوا هم وعائلاتهم دون كرامة