منحت مجزرة الحولة السورية الفرصة الأولى للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لاتخاذ أول وأقوى إجراء ديبلوماسي يقدم عليه في الملف السوري، بعد عشرة أيام على خلافته نيكولا ساركوزي. هولاند أعلن بنفسه قرار إبعاد السفيرة السورية لمياء شكور (التي تبقى في العاصمة الفرنسية مع ذلك كممثلة لبلادها في اليونسكو التي تتخذ باريس مقرا لها). ويتخذ القرار بعدا رمزيا مهما بسبب اتخاذه مباشرة من الاليزيه، وإعلانه في مؤتمر صحافي بلسان هولاند. ويشير إلى استمرار بقاء الملف السوري الساخن والاستراتيجي في عهدة الرئاسة الفرنسية. ويبقى الملف السوري موضع تنسيق فرنسي – بريطاني واضح، مذكرا بالتنسيق في الملف الليبي. فقد أعلن هولاند انه اتخذ قرار إبعاد السفيرة السورية بعد مشاورات مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي قررت بلاده إبعاد القائم بالأعمال السوري لديها. ولا تبدي باريس تراجعا عن الديبلوماسية الساركوزية في التعبئة والحشد «لأصدقاء سوريا». لكن الديبلوماسية الفرنسية تأخذ وقتها للإعداد لمؤتمرهم في باريس، لكن ليس قبيل مطلع تموز المقبل. كما أن المؤتمر المطلوب يختلف نسبيا عن المؤتمرات الماضية برهانه الواضح على خطة كوفي انان والعمل على دعمها. ويأخذ الفرنسيون علما بان الأميركيين أنفسهم بدأوا الاقتراب من الموقف الروسي، ويعلمون بأن مفتاح الحل في دمشق بات في موسكو. كما أن تغييرا فرنسيا في مقاربة الأزمة السورية يستحق الإشارة إليه في التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية لوران فابيوس إلى صحيفة «لوموند». ورغم أن اللهجة لا تزال قوية تجاه الرئيس السوري بشار الأسد، الذي وصفه فابيوس «بقاتل الشعب السوري، ودعاه إلى اعتزال السلطة»، إلا أن الوزير الفرنسي يقترب بوضوح من «الحل الروسي» في سوريا، ويستبعد البحث عن حل شبيه بالحل اليمني. وقال فابيوس إن «سيناريو سقوط الديكتاتور، متبوعا بحلول احد نوابه محله، هو فكرة متداولة هنا وهناك، لكن الأوضاع في سوريا واليمن ليست متشابهة. ففي اليمن دعمت السعودية سلطة (الرئيس السابق علي عبد الله صالح). أما السلطة في سوريا فتحظى بدعم إيران وروسيا. إن المناطق الجغرافية المعنية ليست نفسها، وتختلف المسألة العسكرية ومخاطر العدوى، وهو ما يضع حدودا للمقارنة بين سوريا واليمن». وتوقع فابيوس أن تؤدي مجزرة الحولة السورية إلى تطوير الموقف الروسي، من دون أن يسميه، لكنه استبعد أن تشكل منعطفا يؤدي إلى فتح الباب أمام تسريع العسكرة أو مشاركة فرنسا في تسليح المعارضة. وقال إن «مسألة التسليح تطرح بديلا مرعبا: إن التسليح يسرع الانزلاق نحو الحرب الأهلية، أما غياب التسليح فيعرض المعارضة للانسحاق. لكن الواقع اليوم هو أن الحدود مخترقة، والسلاح يدخل سوريا».
30/05/2012 محمد بلوط, السفير
اترك تعليقا بدون أية روابط